أبو الثوار القاضي عبدالسلام صبرة يتحدث لـ«26 سبتمبر»: عن مساوئ حكم الأئمة: قدسية الإمام دعاية مضللة وقع العامة
تحت تأثيرها حتى عرفوا الحقيقةقصائد الشهيد الزبيري صور حيَّة لبؤس وشقاء الشعب اليمني قبل الثورة
ان اكبر امانة يحملها الانسان وتتجلى فيه عظمتها واهميتها هي امانة قدرته على ان يقدم ما يحمله في فكره وفي نفسه من الخبايا والمكنونات بصدق وشفافية ونكران للذات ويرغم اهواءه وغرائزه ويكبتها كي لا يدع لها مجالاً يؤثر ويتحكم في اخراج ما لديه من حقائق ومعلومات وتقديمها للأخرين بصفاء وزهد وبعد عن ارضاء الذات واشباع الرغبات الخاصة التي قد تسيئ وتشوه الحقائق وتحدث الربكة والاهتزاز اللذين قد يصيبان المهتمين والمتابعين وبالذات فيما يتعلق بقضايا سرد التاريخ الوطني وكتابته وتقديمه للمجتمع للإطلاع على حقائقه.
اننا هنا قد نجد امامنا النموذج المشرف والقدوة الصالحة التي تتمثل في شخصية الوالد المناضل عبدالسلام صبره الذي سيظل ذلك الرجل الصادق والحريص على عدم المساس بالقضايا العامة والإنحراف بها في غير مسارها الصحيح وكذلك عدم الاساءة الى احد بعينه وسوف نجد هذا ونستنبطه من خلال تناوله وتعاطيه للقضايا التي تقدمنا اليه بها ملتمسين ان يتيح لنا الفرصة للحديث عنها ومناقشتها بصورة جلية وموضوعية.. وما وجدناه الا كما يتمناه خاصة الناس وعامتهم في الصدق والوفاء مع مبادئه وقيمه التي لم يفرط بذرة منها.. نسأل الله له طول العمر والصحة والعافية.. فيما يلي الحصيلة:
> حاوره: احمد ناصر الشريف
> الوالد المناضل عبدالسلام صبره..بداية حدثونا عن مساوئ حكم الائمة الجائر بحكم معايشتكم لتلك الأوضاع قبل قيام ثورة 26سبتمبر الخالدة والتي كان لكم شرف المشاركة فيها ومقارعة ذلك الحكم المتخلف؟
>> اعتقد ان الحديث عن الماضي وعن عهد ما قبل الثورة قد تكرر كثيراً واعتقد ايضاً ان ما قيل فيه الكفاية لمن اراد ان يعرف الحقيقة.. ومن حسن حظي انني قرأت في الأيام الأخيرة ما كتبه الاخ الاستاذ محمدعبدالله الفسيل عن حياة الامام يحيى وعن حياة الامام احمد.. حيث كان موفقاً فيما تناوله من تحليل موضوعي لشخصية الامام يحيى وابنه احمد وهو ما يمكن ان نقول عنه انه خير ما يقال عن واقع الشعب اليمني في عهد الائمة قبل قيام الثورة.
> لكن نريد منكم تفاصيل اكثر في هذا الجانب لأن الجيل الجديد الذي تربى في عهد الثورة لا يعرف الحقائق كاملة؟
>> سبق ان قلت وكتبت كل شيء عن الماضي ونشر ذلك في عدة صحف وعدة كتب وكان لصحيفتكم «26سبتمبر» نصيب كبير مما قلته وتحدثت عنه.. وكما هو معروف فإن الحديث عن الماضي يطول شرحه ويحتاج الى مجلدات.. لكن كما اشرت آنفاً فإن ما كتبه الاخ محمد الفسيل ونشر في صحيفتكم يوم الاثنين الماضي فيه ما يستفيد منه القارئ اكثر من غيره وفيه ايضاً من البيان والإيضاح ما يستفيد منه الجميع.
> كيف تفسرون فشل الثورات السابقة ضد الامام يحيى وابنه احمد.. كثورة 1948م وحركة الثلايا عام 1955م في تعز وما تلا ذلك من احداث حتى قيام الثورة الخاتمة 26 سبتمبر عام 1962م التي اقتلعت ذلك العهد من جذوره وقضت عليها؟
>> اسباب الفشل كثيرة.. واهمها هو ان الشعب عاش زمناً طويلاً وهو خاضع للحكم الفردي الكهنوتي المستبد الذي سلبه حقوقه الآدمية وفرض عليه ان يعيش جاهلاً لا يعرف حقوقه ولا واجباته.. هذا هو السبب الأكبر للفشل.. واعتقد لو جاءت ثورة 1948م وكان الناس قد تزودوا بالعلم الذي يعرفون به اسباب سعادتهم واسباب شقائهم واسباب نهوضهم وهبوطهم. وكان الناس يدركون هذه الحقائق لكانت نسبة نجاح الثورة اكبر.. لكن سر الفشل ان هذه الثورة قامت والناس جميعاً كانوا كلهم نائمين لا يفكرون في شيء مثل ما يفكر الواحد منهم في قوت يومه.. اضافة الى ان الحياة حينها كانت محاطة بالآلام والأخطار.. وكان الناس جميعاً لا يستطيعون ان يقولوا كلمة الحق.. فقد كانت الامامة تحاسب كل انسان على ما يقول.. واي مواطن من ابناء الشعب كان يسمح لنفسه ان ينتقد الوضع يتعرض للمخاطر والى السجن والى ما هو اكثر من ذلك.
> هل تعتقد ان هذه الثورات او المحاولات ضد حكم الائمة رغم فشلها قد تركت وعياً لدى الناس بحقيقة الأوضاع؟
>> في البداية كان الناس يعتقدون ان الامام مقدس وان الامام لا يخطئ وهو من عندالله وكان الجميع خاضعين لهذه الدعايات المضللة.
لكن لم يستمر هذا الوضع كثيراً فقد بدأت التساؤلات تشق طريقها الى نفوس الناس.. مثل: ما هو موقف الأحرار؟ وما هي غايتهم وماذا يريد الاحرار وهل هم يعملون لأغراض شخصية ام انهم يعملون لأغراض عامة؟.. وهل الأحرار مدفوعون بدافع الغيرة الدينية والغيرة الوطنية؟ وبعد هذه التساؤلات التي كانت تدور في اذهان الناس بدأ تساؤل الرد وهو ان المطالب التي تقدم بها الأحرار كانت مطالب وطنية انسانية دينية.. وكان يجب على الامام ان يتقبل هذه المطالب او على الأقل ان يناقش فيها او يفتح حولها باب الحوار.. ولكنه قابلها بتلك الردود العنيفة مثل السجون والتشريد والحبس وغير ذلك من الأعمال التي لم تكن اساساً في صالح حكم الائمة ولا تخدم سياستهم.
> ما اهم عوامل النجاح في نظركم التي توفرت لثورة 26 سبتمبر قياساً بفشل المحاولات السابقة؟
>> عند قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م كان الناس حينها قد قطعوا مرحلة كبيرة من الاحداث شاهدوا من خلالها اموراً كثيرة وخاصة عن طريق الاعلام العام العربي حيث اصبح الراديو متوفراً فعرفوا كيف تعيش الشعوب وتطالب بحقوقها وتؤدي ما عليها من واجبات فقد كان للإعلام يومها دوره في تهييج العقول النائمة، ولذلك فقد قامت ثورة سبتمبر في ظروف مختلفة.
> كيف تقيمون دور التنظيم السري للضباط الاحرار في تفجير الثورة؟
>> تنظيم الضباط الأحرار هو خلاصة لأحداث وتجارب طويلة استفاد منها هذا التنظيم مثل احداث ما قبل ثورة 48 وما بعدها واحداث ما قبل حركة 55 وما بعدها.. استفاد منها التنظيم وبنى اعضاؤه خطواتهم على دراسة دقيقة استطاعوا ان يحذروا من خلالها مما يجب ان يحذروا منه وان يسيروا في الطريق الصحيح الذي يجب ان يسلكوه. ولهذا كان النجاح حليف تنظيم الضباط الأحرار في تفجير الثورة.
> هل صحيح ما يقال انه كان يوجد تنظيماً مدنياً موازياً لتنظيم الضباط الأحرار هدفه القيام بثورة؟
>> التنظيم المدني تعود جذوره الى ما قبل 1948م ولذلك نجده سلسلة حلقات مترابطة منذ تأسيس الجمعية اليمنية الكبرى الى قضية الأحرار.. ولا ابالغ اذا قلت ان تنظيم الضباط الأحرار هو خلاصة لما وجد من دعوات في الماضي ومحاولات للقضاء على حكم الائمة بغض النظر عما واجهته من فشل. فهذا التنظيم هو خلاصة دراسة ونضال.. ولولا احداث 1948م واحداث 1955م وما تلا ذلك من احداث اخرى لما وجدت ثورة 1962م.
ان ثورة 26 سبتمبر هي خلاصة جهاد ونضال مريرين ولذلك كتب لها النجاح وتحقق هدف الشعب اليمني في الخلاص من حكم الائمة المستبد.
> بعد نجاح الثورة.. كيف تم التعامل مع افراد اسرة بيت حميد الدين وماذا كان موقفهم؟
>> لقد كان الخصم الأكبر للثورة وللشعب هي سياسة الامام يحيى وسياسة الامام احمد.. اما بعض افراد الأسرة الحميدية والكثير من احفاد الامام يحيى هم كانوا يحترقون بنار هذه السياسة ويتمنون الخلاص منها.. وقد حاولوا بكل ما يستطيعون اقناع جدهم يحيى وكذلك الامام احمد من بعده بضرورة التعليم والتغيير وحذروا من سوء العواقب.. وكانوا يقولون بالحرف الواحد للإمام «اننا قد نواجه كارثة تقضي علينا وعلى الأسرة وتنهينا تماماً» لكن الامام لم يكن يقبل هذه النصائح من بعض افراد اسرته واحفاده ولذلك فقد اضطر بعض اولاده ان يخرجوا عليه وينضموا الى الأحرار ويدعو الى الخلاص من هذا الحكم ويحذرون الامام يحيى والامام احمد من استمرار ذلك الوضع وتلك السياسة.. لكن الطبيعة ابت الا ان تستمر وأبت الأقدار الا ان تنتهي الأمور الى ما انتهت اليه عام 62م بقيام الثورة بالنسبة الى ما آلت اليه نهاية اسرة بيت حميد الدين.. وهي نتيجة طبيعية.
> هل معنى ذلك ان غالبية افراد الأسرة كانوا يئنوون من سياسة الامام كما هو حال الشعب؟
>> استطيع القول ان بعض من افراد اسرة بيت حميد الدين كانوا ابرياء الى حدما وكانوا يشاركون ابناء الشعب في الألم.. وكانوا يحاولون الخلاص من هذا الحكم بقدر ما يستطيعون.. ولذلك فالثورة عندما قامت يوم 26 سبتمبر عام 62م عاملتهم بإحترام رجالاً ونساء واطفالاً واحتفظت بهم مكرمين ولم يتعرضوا لأي أذى الاعدد لا يتجاوز الإثنين او الثلاثة وهم اولئك الذين كانوا قد عاشوا حياتهم وايديهم مغموسة في دماء الشعب واحراره وهؤلاء نالهم المصير الذي يعتبر اقل مما يستحقونه وعندما جاءت المصالحة الوطنية فقد بقي الباب مفتوحاً لعودة كل اليمنيين الى بلادهم ليعيشوا في امن وسلام وحرية.
> كيف تم التعامل معهم عند اخراجهم؟
>> عند اخراجهم عوملوا معاملة انسانية وبعد ذلك حاولنا بكل الوسائل اقناعهم ان يعودوا الى البلد ويعيشون كمواطنين صالحين ويكون لهم حقوقهم الآدمية لهم ما للشعب وعليهم ما للشعب.. وارسلنا اليهم اعز اصدقائهم واقاربهم وحاولوا ان يقنعوهم بكل ما يستطيعون وقلنا لهم عودوا الى بيوتكم التي اشتريتموها بأموالكم وتعاد اليهم ويشاركون في الحكم كحكم جمهوري يشارك فيه كل ابناء الشعب.. لكنهم للأسف رفضوا وأبوا الا ان تستمر المشاكل فدخلت اليمن في تلك المعركة الطويلة والعريضة التي تكبد فيها الشعب تلك الخسائر وسالت دماء كثيرة وازهقت الأرواح دون مبرر.. ولو كانوا وافقوا على ما تم عرضه عليهم لكنا وفرنا على الشعب الكثير والكثير وسيكونون هم اول المستفيدين من ذلك.
> هل كان الاستعانة بالقوات العربية المصرية ضرورة للدفاع عن الثورة؟
>> الاستعانة بالقوات المصرية للدفاع عن الثورة كانت تعتبر من اهم الضروريات واولى الأولويات. واعتقد انه لولا القوات المصرية التي شاركت في الدفاع عن الثورة.. لربما كانت الثورة ستتعرض لأخطار كبيرة.. لكن وجود القوات المصرية في اليمن كان لها دورها العظيم في الدفاع عن الثورة ولا احد يستطيع انكار هذا الدور الذي قامت به مصر تجاه ما تعرضت له اليمن من الإلتفاف والتآمر والهجمات الشرسة التي تعرضت لها الثورة.
> بعد 45 عاماً على قيام الثورة.. كيف تقارنون الحياة اليوم قياساً بما كانت عليه قبل الثورة؟
>> المقارنة بين الماضي والحاضر كالمقارنة بين الموت والحياة.. وكالمقارنة بين الظلام والنور.
> كيف تصف تلك الحياة من وجهة نظرك بحكم معايشتك لها؟
>> محمد محمود الزبيري رحمه الله سبق ان صور بعض ما كان يعيشه الشعب اليمني من بؤس وحرمان في قصيدته الرائعة التي تقول:
مالليمانيين في لحظاتهم بؤس
وفي كلماتهم آلام
جهل وامراض وظلم فادح
ومجاعة ومخافة وامام
والناس بين مكبل في رجله قيد
وفي فمه البليغ لجام
او خائف لم ندر كيف مصيره منهم
اسجن الدهر ام اعدام
كم من اب واسى الإمام بروحه
ماتت جياعاً بعده الايتام
نبني له قصراً يسود فيبتني سجناً
نهان بظله و نضام
... الخ القصيدة
هكذا صور الزبيري حياة البؤس التي كان يعيشها الشعب كما صورها غيره وكذلك فيما كتبه البردوني والكثيرون غيرهم من الذين صوروا حياة الشعب اليمني وكيف كانت قبل الثورة وهو ما يجعل الانسان يعرف ان الحياة كانت قاتمة ولا كانت تطاق وان الثورة كانت تعتبر ضرورة الضرورات ورحم الله السيد العلامة والمحنك السياسي حسين عبدالقادر الذي كان عامل صنعاء ورئيس القمسيون ومستشار الامام يحيى لقد كان يقول: «لم يصب بلد بما اصيبت به اليمن في ظل حكم الامام يحيى الذي فرض على اليمن وشعبها البقاء محرومة من كل حقوقها الادمية وان تخضع لواقع كما لو كانت تعيش في عالم القرون الوسطى.
> ما الذي يمكن ان تقوله للجيل الجديد الذي ينعم اليوم في ظل حياة مختلفة عن تلك التي عشتوها وضحيتم بالكثير من اجل تغييرها؟
>> نقول للجيل الجديد اذا كنا قد عشنا زمناً طويلاً ونحن نرزح تحت كابوس الحكم الفردي الكهنوتي المستبد الذي بنى سياسته على سياسة فرق تسد وعلى سياسة خليه جائع يتبعك وتنام جائع يطيعك.. اذا كنا قد عشنا تلك المرارة القاسية فإننا في يوم السادس والعشرين من سبتمبر عام 62م قد تخلصنا من ذلك الحكم وتخلصنا من تلك السياسة بجهود ابناء اليمن ورجال اليمن ضباط وافراد وعلماء ومشايخ.. في هذا اليوم الذي تخلص فيه الشعب من ذلك الكابوس المظلم والذي يصح ان نقول انه نفق مظلم.
> قبل ايام حضرتم حفل تخرج من الدفع العسكرية.. ماذا كان شعوركم وانتم تشاهدون هذا المجد مقارنة بما كان يسمى بالجيش الامامي؟
>> انا كلما القيت نظرة على الموقف وما وصل اليه شعبنا من تطور وتقدم في جميع المجالات ومن التعليم العسكري وحالة الجندي في مأكله وملبسه ومشربه وشعوره وفي تعامله.. حقيقة كنت اشعر بسعادة غامرة وشعور اعتجاب واحمدالله ان الجيش اليمني الذي كان يعيش حافياً وعارياً وجاهلاً وتقطع مرتبات افراده في مقابل قيمة المعبرو «الحصيرة» اصبح الآن يعيش في مأكله في ملبسه في تعليمه وتدريبه كما تعيش سائر الجيوش في الدول المتقدمة.. ويكفينا ان نجد الفرق بين تلك المناظر الموحشة والمؤسفة والمحزنة وبين هذه المناظر التي تضفي على النفس الأمل العظيم والمشرق الكبير.
> كيف يمكن ان يشعر جيل ما بعد الثورة بمسؤوليته ويقدر جهود الآباء؟
>> اتمنى لأبائنا ان يشعروا بمسؤولية الواجب الذي يجب ان يؤدوه وان يواصلوا السير في طريق الخير والاصلاح وان يعرفوا ان الحياة هي مراحل.. وان المرحلة التي وصلنا اليها هي مرحلة ورائها مراحل كثيرة وانهم يجب ان يهيئوا انفسهم للسير في هذا الطريق حتى تتحقق مبادئ واهداف ثورة 26 سبتمبر الستة بما تحمل من المعاني العظيمة الكبيرة التي تجعل الشعب اليمني في مقدمة الشعوب المتقدمة التي اخذت حقها من النظام والعلم وحقها من الحقوق والواجبات.
> على ذكركم لأهداف ثورة 26 سبتمبر ما نسبة ما تحقق منها في نظركم؟
>> لا شك ان الكثير من اهداف الثورة قد تحققت على ارض الواقع وبقي اشياء كثيرة ولا احد ينكر ان اليمن خطت خطوات تغير من خلالها وجه اليمن عمرانياً وسياسياً وثقافياً واخلاقياً ايضاً.. لقد تحققت اشياء كثيرة ويكفي ان المواطن اليمني يشعر بأنه يعيش رافع الرأس ومستريح الضمير.. ولكن هذا لا يعني انه يستريح او يكتفي بما وصل اليه.. فهناك اشياء محتاجة الى تصحيح ومحتاجة الى تجديد ومحتاجة الى حساب.
> ما الذي ورثته الثورة اليمنية من العهد السابق؟
>> لم ترث غير ما خلفته السياسة الفردية الكهنوتية من الجهل والفقر والمرض الذين كان الائمة يحكمون بها الناس. واذا كانت الثورات في كل الدنيا وعلى سبيل المثال ثورة مصر وثورة العراق وثورة الجزائر.. قد ورثت مخلفات فيها مدارس وفيها طرقات وفيها مستشفيات ومشاريع زراعية وصناعية اما الثورة اليمنية فإنها لم ترث شيئاً على الاطلاق وقد بدأت من الصفر وهذه هي المحنة الكبرى التي ابتلي بها الشعب اليمني.
> بما ان الشعب اليمني كان يعيش اوضاعاً مأساوية قلتم في حديث سابق عنها انها لو استمرت فإن الشعب اليمني كان سينقرض.. هل يعني ذلك بأن الثورة كانت مبررة ولم يكن يوجد اي خيار آخر امام الشعب؟
>> عندما نتذكر ما جاء في القرآن الكريم من اوامر وتوجيهات ربانية تحمل المسلمين العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتخلص من الظلم والظالمين.. وهذه كلها مبررات.. فالعلماء تقدموا بالنصح والمقربين الى الامام تقربوا بالنصح.. واولاد الامام انفسهم قدموا له الرجاء وطلبوا منه ان يقوم بتنفيذ ولو نسبة 1٪ من الاصلاحات ولكنه لم يسمع من احد.
اذاً فالمبررات للقيام بالثورة هي مبررات دينية واخلاقية وانسانية وسياسية لأن الثورة انقذت شعب من الانقراض.
> في رأيكم ما سبب هذا التحجر والإنغلاق الذي سيطر على فكر الامام يحيى وعلى ابنه احمد من بعده؟
>> قال الاخ محمد الفسيل انه حصل بينه حوار مع احدهم من شيعة الامام يحيى والذي حاول فيه ان يحمَّل المسؤولية الشعب لأنه نتيجة بيئة متخلفة وبرأ الامام يحيى من ذلك.
لكن محمد الفسيل سأله الم يكن الامام يحيى فقيهاً وعالماً بالدين والشريعة فأجابه نعم هو كذلك.. فقال الفسيل: هل امره الدين والشرع بجمع الأموال من المسلمين وكنزها في اسفل قصره فلم يجب صاحبه فقال الفسيل اذاً هو الذي كرس التخلف وهو الذي اوجد كل المآسي.
> لماذا لم يستفد ابناء الامام يحيى من بعده وينتهجون سياسة مختلفة؟
>> هذا راجع الى ما تحمله النفوس.. وبطبيعة الحال فهم خرجوا من حياة كانوا يعتبرون انفسهم فيها انهم الصفوة وهم القدوة والسادة ويجب على الآخرين طاعتهم.. اي انهم كانوا ينظرون للشعب على انه سادة وعبيد.. ولا يريدون ان يفقدوا هذا المعنى.. صحيح انه كان يوجد من بينهم من يشعر بأن هذه السياسة خاطئة وكانوا يعترضون عليها.. على سبيل المثال يحيى بن الحسين وكذلك اخيه عبدالله بن الحسين وغيرهما هؤلاء منذ اليوم الأول للثورة كانوا ضد الحرب بل وكانوا يقولون لا يجوز ان نشترك في الحرب ونحن نرفضها لأن عودتنا مستحيلة والشعب لم يعد يناصرنا واثناء حكمنا ارتكبنا جرائم في حق الشعب ولذلك فلا يمكن ابداً ان يقبلنا.. وخلال الحرب وقفوا موقفاً حيادياً واتذكر ان يحيى بن الحسين رفض الاشتراك في الحرب وكذلك اخاه عبدالله وآخرون من ابناء بيت حميد الدين لأنهم كانوا يعتقدون ان حكم الامام يحيى والامام احمد قد اساء الى الشعب اليمني. وفعلاً فقد كانت رؤيتهم صائبة.
> الذين كانوا حول الامام.. لماذا لم يقدموا له النصح كواجب ديني؟
>> كل الذين كانوا حول الامام لا يستطيعون ان ينصحوه جهراً وانما كانوا يتذمرون من سياسته في الخفاء وكانوا يشكون في السر ويقولون نحن نعتبر مجرمين لأننا ساكتين على حياة لا تطاق واذا ما تحدثنا بأدنى كلمة فسوف نتعرض للهلاك.. على سبيل المثال كتاب عبدالكريم مطهر الذي يمجد تلك السياسة كان المؤلف قد شكى لأقرب الناس اليه وقال ان الامام الزمه بأن يكتب للتاريخ حقائق غير صحيحة.. ولو تراجعت او رفضت فسيكون مصيري مصير غيري فاضطريت ان اكتب هذا تحت الضغط مع ان ماورد في الكتاب هو تزوير للتاريخ ونتيجة لذلك فقد كانت المبررات الشرعية والانسانية لقيام الثورة موجودة ومتوفرة وقد سبق ان شرحت لكم في مقابلة سابقة ان المبررات كثيرة ولم يكن هناك خيار امام الشعب اليمني بعد ان استنفذ كل وسائل النصح الا القيام بعملية تغيير شامل لذلك العهد.
> سؤال اخير.. هل تعتقد ان كل الذين جاهدوا وناضلوا قد تم انصافهم على الأقل تاريخياً؟
>> لا شك ان المسؤولين الذين تعاقبوا على الثورة قاموا بقدر ما تسمح لهم الظروف لإنصاف هؤلاء ولا اعتقد انه وجد بين المسؤولين من ينكر للثوار.
واذا كانت قد حصلت خلافات فهي كانت خلافات وقتية ولأسباب معروفة زالت بزوال المنتفعين بها كما يقال.. وبالنسبة للإنصاف فإذا لم يكن مادياً فهناك انصاف معنوي ولا اعتقد ان ثائراً من الثوار قد تعرض لإهانة او اهمال دون مبرر:
منقول حبآ في ابو الثوار (( صبره )) وللاطلاع