مَنْ منا لا يتذكر الوعد الشهير لرئيس الجمهورية، حين قال إن عهد الزيادات السعرية قد انتهى.. قال ذلك في إحدى مهرجاناته الإنتخابية في العام 2006م، لكنه عاد بعد موجة غلاء أعقبت الانتخابات مباشرة ليقول للتجار: "خفضوا الأسعار ، خفضوا أسعار المواد الغذائية والبناء وملابس الأطفال والنساء وإلا سنضطر إلى اتخاذ إجراءات قاسية ضد كل المتلاعبين والجشعين" غير أن هؤلاء الجشعين والمتلاعبين- حد وصفه- لم يأبهوا لهذا التهديد وواصلوا جشعهم حتى تجاوز كيس القمح الستة آلاف ريال!!!
فما كادت تنتهي عملية فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية والمحلية الماضية حتى أخرج التجار عصي الأسعار من دواليبهم بتواطؤ رسمي ليبدأوا في جلد الشعب بسياط الغلاء دونما رحمة.
ومنذ ما بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية السابقة وموجة الأسعار في ارتفاع مستمر وبشكل مطرد وباعث على القلق ، ولا شيء يدانيها في منسوب ذلك الارتفاع سوى سيل التهديدات والوعيد الذي أوسعوا به الغلاء سباً ورفساً فيما هو يودي بشعب كامل يئن من وطأة وضع اقتصادي ومعيشي هو في الأصل بالغ التعقيد والصعوبة.
لقد شهدت الأسواق خلال العامين 2007و 2008م ارتفاعات في المواد الغذائية بنسبة بلغت 400% ، فكيس القمح الذي كان قبل الانتخابات الرئاسية ووعود الرئيس بقيمة (2200) ريال للكيس الواحد أصبح على المواطن أن يبتاعه اليوم بـ (6500) ريال.
الطفرة السعرية التي شهدتها الأسواق العامين الفائتين لم تتوقف عند القوت الرئيسي للمواطن (القمح والدقيق) بل شملت معظم المواد الغذائية الأخرى المهمة ،فكيس الحليب المجفف الذي كان بـ(15000) ريال قفز الآن ليصبح بـ(25000) ريال أي بزيادة (10000) ريال ،والكيلو السمن الذي كان قبل بـ (500) ريال ارتفع إلى ( 750) ريال ، ليصل هذه الأيام إلى (950) ريالا ، بينما صعد سعر السمن (أبو بنت – نصف تنكة) من 1400إلى 2100 ريال.
كيس الأرز هو الآخر ارتفع بنسبة5% في بعض أنواعه و15% في الأنواع الأخرى، حيث زاد سعر الكيس التايلندي العادي من 4200ريال إلى 5200 ريال، والكيس الصغير للأرز التايلندي ذاته (القطمة ) صعدت من800إلى 950 ريال ، في الوقت الذي واصل زيت (شيف) ارتفاعه من 530 ريالا للعلبة ليتوقف عند 750ريالا وهو مرشح للزيادة ، والأغرب أنه بعد هذا الارتفاع المحموم ما يزال العجز يلف الأجهزة الحكومية المختصة، وكأنها تناست الوعود الرئاسية بعدم الإقدام زيادة في الأسعار.
* الخطابات في مواجهة الغلاء
طيلة السنتين الماضيتين التي رافقت الارتفاع المحموم للأسعار اقتصر دور السلطة وهي لمَا ينته صدى وعودها الانتخابية المتكررة والجازمة باستقرار الأسعار وتأمين مستوى معيشي أفضل للمواطن ضمن اليمن الجديد،الجنَة الموعود بها، اقتصر دورها في المواجهة على الكلام والكلام فقط، ولا شيء غيره، وإلقاء اللائمة على التجار الذين يعيدون الكرة إلى مرماها تارة ، ويتذرعون بشماعة الغلاء العالمي تارة أخرى..
ولعل آخر ما انتهت إليه رحلة الصعود الدائم للأسعار، وتحديداً بعد هذا التهديد الرئاسي للتجار هو أن رغيف الخبز ومشتقاته من الروتي البلدي وما يسمى بالروتي الفرنسي قد ارتفعت أسعارها بنسبة (100%) خلال عام واحد فقط ،لتذهب كل الوعود الانتخابية أدراج الرياح.
الآن مضى على التهديد الرئاسي سنتان كاملتان ، وعلى الوعود أكثر من ذلك ، وفوضى الأسعار تجتاح الأسواق بلا رقيب أو حسيب ، فيما المواطن يتمنى العودة للعيش في اليمن القديم ، اليمن الذي كانت الأسعار فيه بنصف ما هي عليه اليوم ، ويتساءل عن مصير التحركات الحكومية التي قيل أنها سعت عقب التهديد الرئاسي السابق لإلزام اتحاد الغرف التجارية وممثلي التجار والمستوردين والمصنعين لتثبيت الأسعار وخاصة القمح والدقيق عند سعرها السابق (2200) ريال للكيس الواحد.
* تقزم مستوى الدخل
أمام هذه الارتفاع الجنوني للأسعار يتضاءل مستوى دخل الفرد اليمني ، ولا يتوازى ارتفاعه بارتفاع مماثل في الدخل ليسد الفجوة التي تنجم عن الفارق بينهما ، فقد أسفرت السياسة الاقتصادية الفاشلة للسلطة منذ سنوات عن نتائج كارثية أسست لانهيار مستوى دخل الفرد الذي تراجع منذ العام 1990م من 700 دولار سنوياً إلى أقل من 500 دولارعام2003م ، وتراجع حالياً إلى أقل من ذلك ،في حين بلغ دخل المواطن العماني 8130 دولاراً، والسوري 1140 دولاراً، والمصري 1310 دولاراً ، والأردني ذا الثروات المتواضعة 1940 دولارا.
فقد عمدت السلطة إلى تنفيذ سلسلة من (الجرع السعرية) خلال السنوات الماضية أدت إلى زيادة الأسعار زيادة كبيرة وفي نفس الوقت جمدت الأجور والمرتبات مكتفية بإحداث زيادات رمزية لم تستطع مقاربة الغلاء الحاصل.
ومتوسط الراتب للموظف اليمني الذي كان قبل 29 عاماً بما يعادل 500 دولاراً ، تقزم ليصبح اليوم بما يعادل 150دولار فقط ، وهو دخْل لا يستطيع الصمود أمام غول الأسعار المتصاعد كما هو معلوم.