الطفل الخجول.. مشكلة لها حل
تتفق الآراء التربوية على أهمية مرحلة الطفولة في بناء شخصية الإنسان المستقبلية، فإذا ما اعترى تربية الطفل أي خلل فإن ذلك سيؤدي حتما إلى نتائج غير مرضية تنعكس سلبا على الفرد والمجتمع معا، ومشكلة الخجل التي يعاني منها بعض الأطفال يجب على الوالدين والمربين مواجهتها وتداركها.
فكثير من الأطفال يشبون منطوين على أنفسهم، خجولين يعتمدون اعتمادا كاملا على والديهم، ويلتصقون بهم، لا يعرفون كيف يواجهون الحياة منفردين، ويظهر ذلك بوضوح عند التحاقهم بالمدرسة.
الخجل والحياء .. هناك فرق
الخجل : هو انكماش الولد وانطواؤه وتجافيه عن ملاقاة الآخرين.
أما الحياء : فهو التزام الولد منهاج الفضيلة وآداب الإسلام.
فليس من الخجل في شيء أن يتعود الطفل منذ نشأته على الاستحياء من اقتراف المنكر وارتكاب المعصية، أو أن يتعود الولد على توقير الكبير وغض البصر عن المحرمات، وليس من الخجل في شيء أن يتعود الولد منذ صغره على تنزيه اللسان عن أن يخوض في أحد أو يكذب أو يرتاب، وعلى فطم البطن عن تناول المحرمات، وعلى صرف الوقت في طاعة الله وابتغاء مرضاته، وهذا المعنى من الحياء هو ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال فيما رواه الترمذي : "استحيوا من الله حق الحياء" قلنا (أي الصحابة): إنّا نستحي من الله يا رسول الله والحمد لله، فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس ذلك، الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك قد استحيا من الله حق الحياء".
من هو الطفل الخجول؟
الطفل الخجول في الواقع طفل مسكين وبائس يعاني من عدم القدرة على الأخذ والعطاء مع أقرانه في المدرسة والمجتمع، وبذلك يشعر بالمقارنة مع غيره من الأطفال بالضعف.
والطفل الخجول يحمل في طياته نوعا من ذم سلوكه لأن الخجل بحد ذاته هو حالة عاطفية أو انفعاليه معقدة تنطوي على شعور بالنقص والعيب، هذه هي الحالة، لا تبعث على الارتياح أو الاطمئنان في النفس.
والطفل الخجول غالبا ما يتعرض لمتاعب كثيرة عند دخوله المدرسة تبدأ بالتهتهة وتردده في طرح الأسئلة داخل الفصل وإقامة حوار مع زملائه والمدرسين، وغالبا ما يعيش منعزلا ومنزويا بعيدا عن رفاقه وألعابهم وتجاربهم.
والطفل الخجول يشعر دوما بالنقص والدونية، ويتسم سلوكه بالجمود والخمول في وسطه المدرسي والبيئي عموما، وبذلك ينمو محدود الخبرات غير قادر على التكيف السوي مع نفسه أو مع الآخرين، ومعتل الصحة، والطفل الخجول قد يبدو أنانيا في معظم تصرفاته؛ لأنه يسعى إلى فرض رغباته على من يعيشون حوله كما يبدو خجولا حساسا وعصبيا ومتمردا لجذب الانتباه إليه.
و20% من الخجل يتكون عند الأطفال حديثي الولادة، وتحدث لهم أعراض لا يعافى منها الطفل العادي، فمثلا الطفل المصاب بالخجل يدق قلبه أثناء النوم بسرعة أكبر من مثيله، وفي الشهر الرابع يصبح الخجل واضحا في الطفل؛ إذ يخيفه كل جديد، ويدير وجهه أو يغمض عينيه أو يغطي وجهه بكفيه إذا تحدث شخص غريب إليه. وفي السنة الثالثة يشعر الطفل بالخجل عندما يذهب إلى دار غريبة، وإذا ما كان بجوار أمه فغالبا ما يجلس هادئا في حجرها أو بجانبها.
لماذا الخجل؟
الخجل عند الأطفال له أسباب كثيرة أهمها:
1- الوراثة حيث تلعب دورا كبيرا في شدة الخجل عند الأطفال؛ فالجينات الوراثية لها تأثير كبير على خجل الطفل من عدمه فالخجل يولد مع الطفل منذ ولادته، وهذا ما أكدته التجارب، حيث إن الجينات تنقل الصفات الوراثية من الوالدين إلى الجنين. والطفل الخجول غالبا ما يكون له أب يتمتع بصفة الخجل، وإن لم يكن الأب كذلك فقد يكون أحد أقارب الأب كالجد أو العم، فالطفل يرث بعض صفات والديه.
2- مخاوف الأم الزائدة : أي أم تحب طفلها باعتباره أثمن ما لديها؛ لذا تشعر الأم بأن عليها أن تحميه من أي أذى أو ضرر قد يصيبه، ولكن الحماية الزائدة عن الحد تجعلها تشعر بأن طفلها سيتعرض للأذى في كل لحظة، ومن دون قصد تملأ نفس الطفل بأن هناك مئات من الأشياء غير المرئية في المجتمع تشكل خطرا عليه؛ ومن ثم يشعر الطفل بالخوف ويرى أن المكان الوحيد الذي يمكن أن يشعر فيه بالأمان والاطمئنان هو إلى جوار أمه. وفي بعض الأحيان يصل خوف الأم على طفلها إلى درجة تؤدي إلى منعه من الاختلاط واللعب مع الأطفال الآخرين؛ خوفا عليه من تعلم بعض السلوكيات غير الطيبة، أو تعلم بعض الألفاظ غير المهذبة غير اللائقة، فيصبح الطفل منطويا خجولا يفضل العزلة والانطواء، ويخشى من الاندماج في أي لعبة مع الأطفال الآخرين.
العيوب.. سبباً للانطواء
3- مركب النقص وخجل الأطفال: يعاني بعض الأطفال من مشاعر النقص نتيجة لنواقص جسيمة أو عاهات بارزة. وهذه النواقص والعاهات تساعد على أن ينشأ هؤلاء الأطفال خجولين وميالين إلى العزلة. ومن هذه النواقص والعاهات البارزة : ضعف البصر وشلل الأطفال وضعف السمع أو السمنة المفرطة أو قصر القامة المفرط، وقد يعاني بعض الأطفال من الخجل نتيجة مشاعر النقص الناتجة عن أسباب مادية كأن تكون ملابسه رثة قذرة لفقره، أو هزال جسمه الناتج عن سوء التغذية، أو قلة مصروفه اليومي، أو نقص أدواته المدرسية وكتبه.
4- التدليل المفروط من جانب الوالدين للطفل: فالتدليل المفرط من جانب الوالدين لطفلهما يعد من أهم أسباب خجل الطفل الشديد. ومن مظاهر هذا التدليل المفرط عدم سماح الأم لطفلها بأن يقوم بالأعمال التي أصبح قادرا عليها؛ اعتقادا منها أن هذه المعاملة من قبيل الشفقة والرحمة للطفل، وعدم محاسبتها له حينما يفسد أساس المنزل أو يتسلق المنضدة، أو عندما يسوّد الجدار بقلمه. وتزداد مظاهر التدليل المفرط في نفس الأبوين عندما يرزقان بالطفل بعد سنوات عديدة من عدم الإنجاب، أو أن تكون الأم قد أنجبت الطفل بعد إجهاضات مستمرة، أو أن يأتي الطفل ذكرا بعد إنجاب الأم لعدد من الإناث. فالمعاملة المتميزة والدلال المفرط للطفل من جانب والديه إذا لم يقابلهما نفس المعاملة خارج المنزل، سواء في الشارع أو الحي أو النادي أو المدرسة؛ فغالبا ما يؤدي ذلك إلى شعور الطفل بالخجل الشديد، خاصة إذا قوبلت رغبته بالصد وإذا عوقب على تصرفاته بالتأنيب والعقاب والتوبيخ.
أسرار العلاج تتعدد..
يمكننا أن نقي أطفالنا من مشاعر الخجل والانطواء على الذات من خلال اتباع التعاليم الآتية:
1- توفير الجو الهادئ للأطفال في البيت، وعدم تعريضهم للمواقف التي تؤثر في نفوسهم وتشعرهم بالقلق والخوف وعدم الاطمئنان. ويتحقق ذلك بتجنب القسوة في معاملاتهم، وبتجنب المشاحنات والمشاجرات التي تتم بين الوالدين؛ لأن ذلك يجعهلم قلقين يخشون الاختلاط بالآخرين، ويفضلون الانطواء وعدم مواجهة الحياة بثقة واطمئنان.
2- كما يتحتم على الآباء والأمهات أن يوفروا لأولادهم الصغار قدرا معقولا من الحب والعطف والحنان، وعدم نقدهم وتعريضهم للإهانة أو التحقير، وخصوصا أمام أصدقائهم أو أقرانهم؛ لأن النقد الشديد والإهانة أو التحقير –وخصوصا أمام أصدقائهم- يشعر الطفل بأنه غير مرغوب فيه، ويزيد من خجله وانطوائه.
3- ينبغي على الأم إخفاء قلقها الزائد ولهفتها على طفلها، وأن تتيح له الفرصة لاعتماده على نفسه، ومواجهة بعض المواقف التي قد تؤذيه بهدوء وثقة، فكل إنسان -كما يؤكد علماء النفس- لديه غزيرة طبيعية يولد بها تدفعه للمحافظة على نفسه وتجنب المخاطر.. يستطيع أن يحافظ على نفسه أمام الخطر الذي قد يواجهه بغزيرته الطبيعية.
4- أن يهتم الوالدان بتعويد أطفالهما الصغار على الاجتماع بالناس، سواء بجلب الأصدقاء إلى المنازل لهم بشكل دائم، أو مصاحبتهم لآبائهم وأمهاتهم في زيارة الأصدقاء والأقارب، أو الطلب منهم برفق أن يتحدثوا أمام غيرهم، سواء كان المتحدث إليهم كبيرا أو صغيرا، وهذا التعويد يضعف في نفوسهم ظاهرة الخجل ويكسبهم الثقة بأنفسهم.
وقد كان أبناء الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين يتربون على التخلص التام من ظاهرة الخجل، ومن بوادر الانكماشية والانطواء؛ وذلك بسبب تعويدهم على الجرأة ومصاحبة الآباء لهم لحضور المجالس العامة وزيارة الأصدقاء، وتشجيعهم على التحدث أمام الكبار، ودفع ذي النباهة والفصاحة منهم لمخاطبة الخلفاء والأمراء، واستشارتهم في القضايا العلمية في مجمع من المفكرين والعلماء.
لقد كان الفاروق عمر بن الخطاب يصطحب ابنه عبد الله لحضور مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عبد الله دون الحلم.. أي طفل لم يبلغ سن البلوغ. ومما تناقلته كتب الأدب أن صبيا تكلم بين يدي الخليفة المأمون فأحسن الجواب فقال له المأمون: ابن من أنت؟ فقال الصبي: ابن الأدب يا أمير المؤمنين. فقال المأمون: نعم النسب وأنشد يقول:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا
يغنيك محموده عن النسب
إن الفتي من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي
البعد عن المقارنة
يجب على الآباء والأمهات أن يقوموا بتدريب الطفل الخجول على الأخذ والعطاء وتكوين الصداقات مع أقرانه من الأطفال، وذلك بتشجيعه بكل الطرق على الاختلاط والاحتفاظ بالصداقات، مع ابتعاد الوالدين عن التدليل المفرط للطفل، وتعويده على الاعتماد على ذاته في ارتداء ملابسه وحذائه وغيرها من الأمور الأخرى، فكلما كان الطفل مدللا معتمدا على أبويه؛ كان نضجه الانفعالي غير كامل، وكلما كان بعيدا عن الاعتماد على ذاته في الأمور الصغيرة؛ نشأ خجولا.
ينبغي على المعلم في المدرسة أن يقوم ببث الثقة في نفوس التلاميذ ومعاملاتهم بالمساواة دون تحيز، والبعد عن مقارنة الأطفال بمن هم أكثر حظا منهم سواء في الاستعداد الذهني أو الجسمي أو من حيث الوسامة أو القدرات والاستعدادات الاجتماعية؛ لأن مثل هذه المقارنات تضعف ثقة الطفل بنفسه، وتؤدي به إلى الخجل