نبذة تاريخية : ان الرقعة التي يشغلها اليمن اليوم قد شهدت حضارة رائدة عمرها أكثر من ثلاثة الآف عام، قامت فيها دول كأوسان وقتبان التي تقع الى الشرق من عدن والى الغرب من حضرموت وكانت عاصمتها
" تمنع " وقد اصبحت دولة قوية حوالي سنة 400 ق.م. ، و بلغت ذروة مجدها في القرن الأول ق.م.، ومعروف عنها انها صكت نقداً ذهبياً حوالي سنة 50 ق.م.، و انتهى امرها في القرن الاول للميلاد.
دولة حضرموت : قامت اولاً في الوادي المعروف بهذا الاسم ثم اتسعت نحو الساحل في المهرة وضمت ظفار.
دولة معين: قامت في منطقة الجوف ، وكانت عاصمتها" قرناو"، وقد دامت من القرن الثامن ق.م. الى سنة 115 ق.م.
دولة سبأ : من القرن التاسع الى سنة 115 ، وقد اتسع سلطانها بحيث شمل جنوب الجزيرة باجمعه تقريباً، وكانت عاصمتها "صرواح" اولاً، لكن منذ سنة 610 ق.م. صار الاْمر لمأرب فانتقل مركز الحكم اليها وسبأ مشهورة في التاريخ بملكتها بلقيس وسدها.
دولة حمير : الاولى قامت سنة 115 ق.م. والثانية يعود قيامها الى سنة 300م، وكانت عاصمتها ظفار وقد ضمت اليها دولتي معين وسبأ وكانت اوسع دول اليمن نفوذاً ، وانتهت مع تهدم سد مأرب نهائياً في اواسط القرن السادس الميلادي.
فترة الدولة اليمنية الواحدة
رغم ان القرن السادس عشر الميلادي ] العاشر الهجري [ كان يحمل معه في اليمن ملامح العصور الوسطى الإسلامية الا ان ما حدث في هذا القرن جعله يختلف عن القرون السابقة، وجعله يترك آثاره بدوره على القرون التالية حتى تاريخنا المعاصر. فعند بداية هذا القرن كان البرتغاليون قد عرفوا الطريق البحري المباشر الى الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح، وبدأوا يحولون تجارة الشرق الى هذا الطريق الجديد، وتصدع لهذا السبب البناء الاقتصادي الذي عرفه اليمن منذ فجر تاريخه الذي كان يعتمد إلى جانب الثروة الزراعية على اشتغال اهل اليمن بالتجارة العالمية بين الشرق والغرب، وهكذا كان الاضطراب الذي اصاب البناء الاقتصادي وبالتالي الاجتماعي في اليمن وما نتج عن ذلك من اوضاع سياسية جديدة هي التي جعلت من القرن الـ 16 م بداية لتاريخ اليمن الحديث والذي اطلق عليه اليونانيون القدماء اسم العربية السعيدة Arabi Felix ، ولا شك في أن موقع اليمن الى جانب ثروته الزراعية بل والطبيعية الاخرى ايضاً، كان من اهم العوامل التي اثرت في تاريخ تلك البلاد على مر العصور فكان كل منهما يكمل دور الآخر، فبالاضافة الى اهمية وقوع اليمن على الطريق التجاري القديم فقد كانت ثروته الطبيعية هي الدعامة التي جعلته يستفيد حضارياً من وراء هذا الموقع كما جعلته بدوره اقدر على أن يصبح موطناً للحضارة هو الآخر وليس فقط مجرد معبر او طريق للتجارة، وقد كان البحر الأحمر منذ اقدم العصور هو الطريق الذي يحمل إلى العالم القديم اول مبادىء الإتصال الفكري والتجاري بين الحضارات القديمة الثلا ث والتي كانت تحيط بالجزيرة العربية، وهي الحضارة الفرعونية في مصر، والحضارة البابلية والأشورية في بلاد ما بين النهرين ] العراق[ ، وحضارة وادي السند ] الباكستان حالياً [، وقد كان الطريق البحري هو الطريق المفضل منذ اتقن الانسان فن الملاحة اذ كان اكثر امناً واقل نفقة، ولذلك كان إتصال مصر ببابل بحرياً يتم عن طريق البحرعبر تجار يمنيون واقدم ما ورد مسطراً على الأثارعن علاقة مصر ببلاد يونت ]اليمن[ هي البعثة التي امر بارسالها الملك ساحورع من الأسرة الخامسة حوالي 2550 ق.م. الى تلك البلاد، وقد ظلت هذه العلاقات التجارية والحضارية قائمة حتى احتل الرومان مصر فاهتموا بنقل تجارة الهند رأساً من مصر دون الإستعانة بالتجار اليمنيين ، ولكنهم لمسوا في هؤلاء منافساً قوياً، اذ كانت تجارة الطريق البري في ايديهم كما كان الملاحون الرومان يخشون بأسهم عند اجتيازهم مضيق باب المندب على البحر الاحمر او عندما يرسون على بعض الموانىء في تلك المناطق، ولهذا ارسل يوليوس قيصر حملة قوية من مصر الى اليمن في سنة 24 ق.م. ولكنها باءت بالفشل في اخضاع تلك البلاد للسيطرة الرومانية.
اما من ناحية ثروة اليمن الزراعية فقد ادرك اليمنيون القدماء اهمية بناء اقتصاد زراعي محكم في بلادهم، فاقاموا السدود العديدة واشهرها سد مأرب للاستفادة من مياه الأمطار، كما حفروا الكثير من الآبار والترع واتقنوا زراعة المدرجات الجبلية منذ ذلك الوقت المبكر، ولكن يلاحظ ان اليمن كان موضع طمع جيرانه لثروته التجارية والزراعية وخاصة في فترات ضعفه. وقد تمثل ذلك حين وقع فريسة الصراع بين الدولتين الكبيرتين القديمتين في ذلك الوقت وهما الامبراطورية البيزنطية والامبراطورية الفارسية حول مناطق النفوذ في الشرق، وقد اختفى هذا الصراع بين الدولتين وراء شعارات دينية.
ويبدو ان بعض ما كان لسبأ من قبل عاد اليها في اواخر القرن الثالث الميلادي عندما حكمها "شمر يهرعش" ملك سبأ وذوريدان، فوسع المملكة شرقاً بحيث ضم حضرموت واليمامة الى مكة. اما القرون الثلاثة السابقة للاسلام فاخبارها مضطربة ويمكن القول بان اهم ما حدث في تلك الازمنة يجمل في ما يلي :
1- انتشار المسيحية في بعض ارجاء اليمن وكانت نجران اهم مراكزها.
2- بعد ان اعتنق الملك الحميري " ذو نواس " الديانة اليهودية قام باضطهاد العناصر المسيحية في اليمن، وخاصة كما وقع في حادثة الأخدود الشهيرة في سنة 533 م قام قيصر بيزنطة بدفع نجاشي الحبشة الى ارسال حملة قوية الى اليمن لانقاذ المسيحيين به، وقد استطاع "أبرهه" صاحب الحملة على مكة في عام الفيل ان يلحق الهزيمة بذي نواس وان يقيم دولة حبشية في اليمن استمرت حوالي نصف قرن.
3- الصراع البيزنطي الفارسي لم ينته عند هذا الحد بانتصار بيزنطه اذ مدت فارس نفوذها الى اليمن وتخلصت من النفوذ البيزنطي المتمثل في حكم الاحباش، وذلك عندمــــا هب احد الامراء الحميريين وهو " سيف بن ذي يزن " يريد تخليص بلاده من الحكم الحبشي اذ لم يتردد ملك الفرس في مساعدته وارسل معه جيش كبير فتمكن من هزيمة الاحباش واستئصال شأفتهم، ثم انسحب الفرس تاركين ذي يزن ملكاً على البلاد ومعه حاكم فارسي، ولم يمض غير قليل حتى ظهر الاسلام وانتشر في اليمن لتدخل معه البلاد في عهد جديد.